27/ 06 / 2008
زيارة أولمرت لمصر تشعر أمثالي بالحزن والخزي للأسباب التي تعرفها، لكن ما نشر في الصحف العربية عن زيارته الأخيرة التي تمت يوم الثلاثاء 24/6 كان أيضًا صادمًا ومحيرًا، فلم أفهم مثلاً ما ذكره الأهرام من أن الرئيس مبارك عبر عن «سعادته» -هكذا مرة واحدة- بلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي علمًا بإنني فشلت في العثور علي سبب واحد يبرر تلك السعادة، كما إنني لم أصدق ما قاله مارك ريجيف المتحدث باسم أولمرت بأن مصر «شريك استراتيجي» مع إسرائيل ، حتي إنني أعدت قراءة العبارة مرة واثنتين، ومازلت أحاول أن أقنع نفسي بأن هذه المقولة الملوثة مكذوبة، وأن ذلك الرجل الخبيث أطلقها عامدًا لكي يشوه صورة مصر في أعين المصريين والعرب والمسلمين، موحبًا لهم بأن «أم الدنيا» صارت في آخر الزمان شريكًا استراتيجيًا مع إسرائيل، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها طوال ستين عامًا.
شعرت ببوادر ارتفاع ضغط الدم عندي فلم أكمل ما أوردته صحفنا القومية في وصف ما جري، وتحولت إلي الحوار الذي أجرته مع الرئيس مبارك القناة الأولي بالتليفزيون الإسرائيلي، حيث أوهمت نفسي بأن ما أورده المحررون بصياغات مختلفة قد لا يكون دقيقًا، وأن الثقة في الحوار المنشور قد تكون أكبر، لأن صحفنا القومية نشرته نصًا، بذات اللهجة العامية التي تحدث بها الرئيس - وبعدما قرأت الحوار مرتين لاحظت عليه عدة أمور من بينها ما يلي:
> إنه لم ترد فيه أي إشارة إلي الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع الذي هو أصل الداء ولب المشكلة.
> إن الحديث عن الجهود المصرية لإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير «جلعاد شاليط» احتل حيزًا معتبرًا من الحوار، في حين لم ترد في ردود الرئيس أي إشارة إلي 11ألف فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية، ولئن تصورت أن يهتم مذيع التليفزيون الإسرائيلي بالجندي الأسير، فقد توقعت أن يتذكر الرئيس مبارك الأحد عشر ألف أسير فلسطيني، وقد ضاعف من حزني أن ذلك لم يحدث.
> إن الرئيس حين تحدث عن الحاصل بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيليين، قال: الفلسطينيون يطلقون الصواريخ، والإسرائيليون «يضربونهم » فيموت الإسرائيليون ويموت الفلسطينيون بسبب حكاية الجندي الأسير، وذلك وصف غير دقيق بالمرة للعلاقة بين الطرفين، ذلك أن أي متابع محايد يعرف جيدًا أن الصواريخ الفلسطينية لا تطلق إلا ردًا علي عدوان إسرائيلي، وبالتالي فمن الخطأ المساواة بين القاتل والقتيل، والحديث عن قصف إسرائيلي ردًا علي الصواريخ الفلسطينية، الأمر الذي يذكرنا باللهجة الأمريكية التقليدية التي تصف كل الجرائم الإسرائيلية بأنها «دفاع عن النفس».
> والملاحظة ذاتها تنطبق علي ما قاله الرئيس في رفض مصر للوجود النووي في المنطقة، سواء من جانب إسرائيل أو إيران، وهو المنطق الذي يضع الطرفين علي قدم المساواة، في تجاهل لحقيقة أن إسرائيل تملك مخزونًا من القنابل الذرية فضلاً عن مخزونها من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، في حين أن هناك إجماعًا علي أن امتلاك إيران للقنبلة النووية هو مجرد احتمال قد يتحقق بعد ثلاث سنوات أو خمس، وأن المشروع النووي الإيراني لايزال يتطور باتجاه الاستخدامات السلمية حتي الآن، بالتالي فلا محل للمساواة بين وجود قطعي للسلاح النووي في إسرائيل ووجود ظني لذلك السلاح لدي إيران، هذا ما إذا تجاهلنا أن إسرائيل دولة عدو وإيران شقيق مسلم.
مما صدمني أيضًا في الكلام المنشور بخصوص الزيارة أن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير سليمان عواد قال إن ثمة اتصالات تجري لفتح معبر رفح وفق البروتوكول الموقع بخصوصه عام 2005 بين الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية وإسرائيل ومصر، وهذا كلام مغلوط تمامًا، فالاتفاقية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والاتحاد الأوروبي أدخل كطرف ثالث لتنفيذيها، ومصر لم تكن طرفًا فيها، وضمها الآن إلي الاتفاقية يعد مساسًا بالسيادة المصرية علي حدودها، وإعطاء المحتل حقوقًا ليست له، ذلك أن مصر والفلسطينين فقط هما من يحدد وضع المعبر وتنظيم العبور منه.
لقد أقنعتني التجربة أن أفضل وسيلة لتحقيق الضغط أن يتوقف المرء عن قراءة مثل هذا الكلام.