بقلم: أحمد شوشة
|
أحمد شوشة |
أخي الحبيب.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن أحوالنا في هذا المعتقل أحوالُ عاطفةٍ وفكرةٍ؛ فإننا نقضي يومنا بين عبادةٍ أو قراءةٍ، أو زيارةٍ أو رياضةٍ أو تفكُّرٍ؛ فهذه هي حياتنا منذ ما يزيد عن العام، وفي المساء يزداد الهدوء ويزداد السكون، فتجلو الفكرة، ويرق القلب، وتصفو النفس، وعندها نشتاق لأحبابٍ لنا في الله لم يفارقونا لحظةً رغم قسوة الأسوار، وبُعد المسافات، فلا نملك سوى الورقة والقلم؛ نبثُّ من خلالهما مشاعرَ الحب والود والاشتياق.
من أجلكم قد جرعنا في الهوى غُصَصًا نحسو الفراق ولا نشكو مآسينا
يسرنا ذكركم دومًا ويبهجنا ومُنْية القلب دومًا أن تلاقينا
روح تسري
إن من فضل الله أنْ منَّ علينا بنعمة الإيمان والإسلام، وكفى بهما نعمة، وزادنا نحن الإخوان المسلمين نعمةَ الفَهْم الصحيح للإسلام؛ هذا الفهم الذي ربَّى عليه الإمام حسن البنا- رحمه الله- جيلاً كاملاً من الرجال والنساء والشباب، فكانوا، بفضل الله، مناراتٍ أضاءت الوجود علمًا وعملاً وورعًا وتُقًى، ولكم اشتاقت الأرض إليهم بعد طول تيهٍ في ظلمات الجهل والانحراف والغفلة، حتى أتى بهم الإمام البنا من مدرسة النبوة الكريمة، فحملوا مشعل الهداية للبشرية كلها.
مُثُل كالنجوم بل هي أعلى ومعانٍ كالفجر في إشراقه
منهم هؤلاء الرجال
إن نهر الدعوة الزاخر بأمثال هؤلاء الرجال أفاض بقطرةٍ منه في هذا المعتقل، فرأيتُهم كما ذكر الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ألا إن لله تعالى في الأرض أواني، ألا وهي القلوب؛ فأحبها إلى الله أرقُّها، وأصفاها وأصلبها أرقُّها للإخوان، وأصفاها من الذنوب وأصلبها في ذات الله" (أخرجه الطبراني، إلا أنه قال: "ألينها وأرقُّها، وإسناده جيد").
فهُم قلوب رقيقة، وهمم عالية، وصفاء في النفوس، وصلابة في الدين.. هم قرآنٌ يمشي على الأرض كما أرادهم الله عز وجل، ونبيُّهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ فهموا الإسلام وتمثلوا به وعاشوا له، لم يجتزئوا دينهم، ولكن عاشوه بشموله وكماله.. رجال إيمان وعمل؛ تراهم عبَّادًا صادقين في محرابهم، وأصحاب ثقافة وفكر إذا تحدثوا، وفي الملاعب الرياضة ترى مهاراتهم، وفي تخصصاتهم المهنية أصحاب السبق، وفي خدمة من حولهم في المقدمة، دعاةً إلى الله في حركاتهم وسكناتهم، انطلقوا بإسلامهم يؤسسون نهضة أمتهم، متحملين العنت حسبةً لربهم العليم الخبير، ويطيب لي أن أذكرهم لك عسى أن ينفعنا الله عز وجل بذكر عباده الصالحين.