من طرف أحمد العزب محمد الأربعاء يونيو 18, 2008 2:58 am
لا تبكي قبل عودة القدس '' .. وصية أسير لأمه |
ليس من اليسير وصف مشاعر أم في طريقها لرؤية ابنها بعد 14 عاما حُرمت فيها عيناها من معانقة وجهه، وغاب عن أناملها دفء ملامسته.. الأم نفسها تصف بمرارة وحرقة اللحظة التي التقت فيها ولدها دون حاجز يفصلهما، قائلة: "شعرت بالاختناق".
هكذا تحدثت والدة الأسير الفلسطيني المقدسي ياسر تيسير محمد داود عن الزيارة الوحيدة التي سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلالها بأن ترى هي وزوجها ابنهما مباشرة دون حواجز أو قضبان. الزيارة اليتيمة كانت منذ ثلاث سنوات، بينما يقبع ياسر (38 عاما) في الأسر منذ 17 عاما، وتعلق الأم قائلة: "الاحتلال قاسٍ جدا.. يحتل أرضنا ويعتقل أولادنا ويحرمنا من رؤيتهم، إلا من خلف القضبان"، بحسب تقرير لمؤسسة القدس الدولية. وتضيف - بحسب إسلام أون لاين - واصفة لحظة اللقاء مع ولدها الأسير: "شعرت بالاختناق، فعندما رأيته لم أحتمل نفسي.. لأول مرة منذ 14عاما ألمس ابني وأعانقه.. حتى مشاعر الأمومة باتت مراقبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي". معاناة ياسر مع سجون الاحتلال ومعتقلاته تعود لعام 1991 إثر اتهامه بطعن يهودي في شارع يافا غرب مدينة القدس المحتلة، حيث تعرض لأقصى صنوف التعذيب طيلة 58 يوما في سجن المسكوبية؛ مما أدى إلى إصابته بنزيف في الرأس وانتفاخ في عينيه. وعقب فترة قضاها رهن الاعتقال وجهت سلطات الاحتلال لياسر عدة تهم، من بينها "ممارسة نشاط سياسي"، و"عملية الطعن"، و"إلقاء الحجارة على السيارات الإسرائيلية المارة والجنود"، ليحكم عليه بالسجن 62 عاما، قضى منها 17 عاما حتى الآن.عنفوان رغم الأسر قسوة السجن وغلظة السجان لم تفقد ياسر اعتزازه بنفسه وبكرامته، فبعد عامين من اعتقاله في سجن الرملة، قام سجان باستفزاز الأسرى، فما كان من ياسر وزميله الأسير أحمد شكري إلا أن ضرباه على رأسه بقطعة من الحديد؛ مما أدى إلى إصابته بجروح؛ فزادت سلطات الاحتلال مدة محكوميته عامين آخرين، كما تم وضعه لمدة ثمانية أشهر في زنزانة انفرادية تحت الأرض. بعد عدة شهور توجه أهله لزيارته، لكنه رفض مقابلتهم؛ خوفا عليهم من وطأة هذا المشهد المؤلم، وتصف والدته وقائع تلك الزيارة: "في طريقي إلى مكان ياسر في العزل شاهدت زميله أحمد شكري في قفص حديدي كبير، وعندما سألته عن ياسر لم يرد علي من شدة تأثره بالعزل والتعذيب". وتضيف: "بعدها نزلت عبر الدرج تحت الأرض حيث مكان عزل ياسر، فشاهدت أقفالا كبيرة، ولكن ياسر رفض الزيارة، وقال لي بعدها إنه خلال وجوده في العزل كان ينام بجانب قناة المياه العادمة (الصرف الصحي) والحمام في الغرفة نفسها، حيث تمر الفئران من جانبه، وكان يتناول الأكل من شباك الغرفة".وصية أسير حياة ياسر داود ليست فصلا واحدا يحكي عن الأسر وظلماته، بل كانت حياة مفعمة بالأمل والحيوية، فياسر حين اعتقل كان شابا يافعا غادر العشرين بعام واحد، وكان يدرس في السنة الثانية بمعهد المعلمين في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، وكان وسط أسرة كبيرة من أب وأم وستة أشقاء. أما الآن فقد حرم من دفء الأسرة وحنانها، وتحولت الحيوية إلى قائمة أمراض في مفاصل اليدين والساقين بسبب رطوبة زنازين الاحتلال. ورغم مرور ثلاث سنوات مازالت الحاجة أم محمد تتذكر تفاصيل زيارتها الوحيدة لابنها، وتقول: "مررت بلحظات مؤلمة جدا؛ حيث لم يسمحوا لي برؤيته إلا خمس دقائق، فأخذت أبكى، لكنه طلب مني ألا أبكي". "وهأنذا منذ ثلاث سنوات لم أره، وأدعو الله أن يفك أسره لأتمكن من رؤيته قبل وفاتي"، بحسب ما تضيف والدته. وتمضي مشددة على الوصية التي حملها إياها، وهي أن "تحبس دموعها لحين عودة القدس".معاناة مزدوجة وتعد معاناة الأسرى المنحدرين من محافظة القدس معاناة مزدوجة تفوق ما يكابده إخوانهم الأسرى من قطاع غزة والضفة؛ حيث تصر سلطات الاحتلال على استثنائهم من أي صفقة لتبادل الأسرى، كما يجري استبعادهم من اتفاقات الإفراج التي تعقدها السلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك بحجة أنهم مواطنون مقيمون داخل الدولة العبرية، ورغم ذلك فإنها تحرمهم من الحقوق التي تمنحها السجناء الجنائيين في إسرائيل. ويقدر عبد الناصر فروانة، الأسير السابق، والباحث المختص في شئون الأسرى، عدد الأسرى المقدسيين بأكثر من 400 أسير، موزعين على سجون الاحتلال، وبعضهم يقبع في أقسام منفصلة مع أسرى الأراضي المحتلة عام 1948، ويندرج هذا في إطار سياسة فصلهم عن باقي الأسرى. ويلفت فروانة إلى أنه يوجد بين الأسرى المقدسيين 5 أسيرات، وقرابة 10 أطفال قاصرين، إضافة للعديد من الأسرى الذين يعانون أمراضا صعبة وخطيرة تهدّد حياتهم بالخطر. أما إجمالي الأسرى الفلسطينيين فيتجاوز عشرة آلاف أسير، بينهم نساء وأطفال وشيوخ. |
|