من طرف أحمد العزب محمد الجمعة يونيو 06, 2008 10:02 am
السيدة / حميدة قطب... عذراء السجن الحربي |
رغم كثرة المشاغل والتحديات المادية في عصرنا الحديث، ظهر أناس أعادوا للبشرية ذكرى صحابة رسول الله، فوجدنا عائلة الهضيبي؛ الأب والزوجة والأبناء، ضحوا جميعهم في سبيل دعوتهم، وما انتظروا أجرًا من أحد، وسارت على نهجهم عائلة قطب، حيث الشقيق الأكبر سيد، ثم ومحمد وأمينة وحميدة وأبناء الأخوات..
وتميزت هذه العائلة بفهمها وجهادها وثباتها وتضحياتها، فقدمت الشهيد تلو الشهيد، فنال سيد قطب وابن شقيقته "بكر" الشهادة، وأوذي أخوه "محمد" كثيرًا، ولم تسلم أختاه أمينة وحميدة من الأذى، فكانت بحق عائلة مباركة أنبتت ثمارًا طيبة، فتركت أثرًا طيبًا على مسيرة العمل الإسلامي.
نشأت عائلة "قطب" نشأة إيمانية فطرية في "الصعيد" في محافظة "أسيوط"، وفي قرية "موشا"، وكان الأبوان صالحيْن، رب الأسرة هو الحاج "قطب إبراهيم"، وامرأته سيدة صالحة عابدة تقية، تحب سماع القرآن، وتكرم القرّاء الذين كان يدعوهم زوجها الحاج "قطب" إلى البيت لتلاوة القرآن وختمه فيه، وكانت تغرس هذا الحب في نفس أبنائها. أما الأب فقد كان معروفًا في القرية وما حولها، وكان أحد الوجهاء الكبار، ومن الحريصين على ارتياد المساجد وأداء الشعائر. رزق الله الزوجين عدة أبناء؛ الابنة الكبرى نفيسة زوجة الحاج بكر شافع، ثم الابن سيد الذي ولد عام 1906م، ثم الابنة شَوْق، فالابن محمد الذي وُلد عام 1919م، ثم الابنة أمينة التي ولدت عام 1927م، ثم الابنة حميدة عام 1937م. انتقل الأخ الأكبر سيد إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية، وأثناء ذلك توفي والده الحاج قطب، فانتقلت الأسرة كلها من الصعيد إلى القاهرة، واستقروا معًا في حلوان، ثم توفيت الأم بعد فترة قصيرة من انتقال الأسرة للقاهرة.
الأسرة والأدب
برزت المواهب الأدبية للأخ الأكبر سيد، فاتجه إلى الشعر والأدب، وسار على نهجه بقية إخوته: محمد وأمينة وحميدة، وكان سيد هو الموجه والمربي والمعلم لباقي إخوته.. وأصدروا معاً كتاب (أطياف أربعة) في عام 1945م، ولقد ذكر الأستاذ سيد أختيه أمينة وحميدة في هذا الكتاب بقوله: "تلك الفتاة الهادئة أمينة.. إنها سارية في الماضي، لا تكاد منه تعود، إنها شاعرة، ثروتها من التصوُّرات أجزل من ثروتها في التعبير، إنها مستغرقة في حلم بالمستقبل الذي لا تملك، وبالماضي الذي لن يعود". بينما قال عن أخته الصغرى حميدة: "تلك الصبية الناشئة "حميدة" إنها موفورة الحس أبدًا، متفزِّعة من شبحٍ مجهول..". وكان الإخوة الأربعة يجلسون فيتدارسون العلم، وعندما التحق سيد قطب بالإخوان، وأُسند إليه الإشراف على جريدة "الإخوان المسلمون"، نهض بها، وفتح صفحاتها أمام إخوته ليكتبوا فيها، فأثروا الصحيفة بكثير من المقالات، منها: مقالة "لا إله إلا الله" للأخت حميدة، كما نشر لها مقالات في مجلة "المسلمون".
|
سيد قطب داخل المحكمة |
وبعد أحداث 1965م، وتعرض الأسرة للمحنة، واستشهاد سيد، لم تنس الأسرة دورها في الأدب، بل اعتنوا به، فأصدرت حميدة كتاب "رحلة في أحراش الليل" صدرت الطبعة الأولى عن دار الشروق عام 1998م. وكتبت قصة بعنوان: "درس في الصغر"، وعندما رحلت أختها أمينة كتبت مقالاً جياشًا قالت فيه: "تفضلت مجلة "منبر الداعيات" الحبيبة إلى قلبنا فطلبت مني أن أكتب إليها نُبذة عن "أمينة قطب" شقيقتي.. شقيقة الدم وشقيقة الروح، التي غادرت دنيانا قبل أيام قلائل وذهبت، بعد رحلة شاقة في دار الشقاء، ندعو الله الرحمن الرحيم بعباده أن يجعلها في دار سعادة وجنة عرضها السموات والأرض".
دعوة الإخوان
التحق الشقيق الأكبر بدعوة الإخوان بعد عودته من أمريكا، وسارت على نهجه أختاه حميدة وأمينة، ونشطت حميدة مع الحاجة زينب الغزالي في نشر الدعوة وسط النساء، حتى دخلت الجماعة في طور محنة حادثة المنشية عام 1954م، فاعتقل أخوها سيد ومعظم الإخوان، وكانت ضربة قوية للجماعة، وحكم عليهم بأحكام متفاوتة بين الإعدام والسجن، ولم تستكن حميدة قطب لكنها اشتركت مع السيدة أمينة علي ونعيمة خطاب وزينب الغزالي وخالدة الهضيبي في رعاية أسر الإخوان المعتقلين. وعندما بدأ تنظيم 1965 يتشكل في عام 1957م، واختير الشهيد سيد قطب ليكون مسؤولاً عن التنظيم وكان مازال داخل السجن اختيرت حميدة قطب لتقوم بدور الرسول بين قادة التنظيم خارج السجن وبين أخيها سيد داخل السجن، وظلت تقوم بهذا الدور لسنوات عدة حتى اكتشف التنظيم.
مع المحن: تعرضت الأسرة لكثير من المحن، ففي عام 1954م حُكم على سيد قطب الشقيق الأكبر بالسجن لمدة 15 عامًا، وفي 1965م قبض على أفراد أسرة آل قطب كلهم، وعذبوا عذابًا شديدًا، ونصبت المحاكم العسكرية، وتولى الفريق محمد فؤاد الدجوي رئاسة المحكمة، وحكم على سيد قطب بالإعدام. وتصف الحاجة زينب الموقف على لسان حميدة فتقول: طلب الطغاة حميدة قطب شقيقة الشهيد ليلة تنفيذ الحكم بالإعدام، تقول: استدعاني حمزة البسيوني إلى مكتبه، وأراني حكم الإعدام، والتصديق عليه، ثم قال لي: إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم لو أن شقيقي أجابهم إلى ما يطلبون، ثم أردف قائلاً: إن شقيقك خسارةٌ لمصر كلها وليس لك وحدك، إنني غير متصور أننا سنفقد هذا الشخص بعد ساعات، إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة.. إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام، ولا أحدَ يستطيع أن يؤثر عليه إلا أنت.. أنت وحدك مكلَّفة بأن تقولي له هذا. أنا مكلَّف بأن أبلغه هذا، ولكن لا أحدَ أفضل منك في تبليغه هذا الأمر.. بضع كلمات يقولها وينتهي كل شيء!!
نريد أن يقول: إن هذه الحركات كانت على صلةٍ بجهة ما، وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك.. أما هو فسيُفرج عنه بعفو صحي. قلت له: ولكنك تعلم كما يعلم عبد الناصر أن هذه الحركة ليست على صلة بأي جهة من الجهات، قال حمزة البسيوني: أعلم ذلك، وكلنا نعرف أنكم الجهة الوحيدة في مصر التي تعمل من أجل العقيدة.. نحن نعرف أنكم أحسن ناس في البلد، ولكننا نريد أن نخلِّص سيد قطب من الإعدام، قلت له: إذا كنت تريد تبليغه هذا فلا مانع!! فنظر إلى صفوت وقال: خذها يا صفوت إلى أخيها.. وذهبت إلى شقيقي وسلَّمت عليه وبلغتُه ما يريدون منه، فنظر إلي ليرى أثرَ ذلك على وجهي، وكأنه يقول: "أنت التي تطلبين أم هم؟!" واستطعت أن أُفهمه بالإشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك، وهنا نظر إليَّ وقال: "والله لو كان هذا الكلام صحيحًا لقلته، ولما استطاعت قوةٌ على وجه الأرض أن تمنعني من قوله.. ولكنه لم يحدث وأنا لا أقول كذبًا أبدًا".. سأل صفوت: يعني ده رأيك؟ أجاب بقوله: "نعم"، فتركَنَا صفوت وقال: على العموم تقدروا تقعدوا مع بعض شوية.. وانصرف. وأفهمت أخي الحكاية من أولها، وقلت له: إن حمزة استدعاني وأراني تنفيذ حكم الإعدام، وطلب مني أن أطلب منك هذا الطلب. سأل: وأنت ترضين ذلك؟! قلت: لا. قال: "إنهم لا يستطيعون ضرًّا ولا نفعًا.. إن الأعمار بيد بالله، وهم لا يستطيعون التحكُّم في حياتي، ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله، والله من ورائهم محيط". ووجهت إلى حميدة قطب تهم: 1 نقل معلومات وتعليمات من سيد قطب إلى زينب الغزالي وبالعكس. 2 توصيل ملازم كتاب "معالم في الطريق" إلى التنظيم. 3 حلقة الوصل بين محمد هواش وعلي عشماوي. 4 إعانة العائلات في الفترة بين 1954 1964م. فشملها أمر إحالة إلى المحكمة العليا في الجناية رقم 12-1965م "أمن دولة عليا"، حيث أصدر صلاح نصار رئيس النيابة قرارًا بإحالة 43 من قيادات التنظيم، كانت حميدة قطب رقم 40 في الصحيفة والتي حوت القرار، وكان عمرها آنذاك 29 عامًا ولم تتزوج بعد.. وحكم عليها بالسجن 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر حتى أفرج عنها أوائل عام 1972م، وبعد خروجها تزوجت من الدكتور حمدى مسعود وهو طبيب، مقيم في فرنسا، وهي تعيش معه حتى الآن هناك.
|
|