الصفدي سنتر غزه
اهلا بكم في غزه الحره مع تحيات الصفدي سنتر

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الصفدي سنتر غزه
اهلا بكم في غزه الحره مع تحيات الصفدي سنتر
الصفدي سنتر غزه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إلى الأحبة فى غزة المحاصرة

اذهب الى الأسفل

إلى الأحبة فى غزة المحاصرة Empty إلى الأحبة فى غزة المحاصرة

مُساهمة من طرف أحمد العزب محمد الخميس ديسمبر 25, 2008 5:27 pm

رابط البحث ( الصبر والثبات في مواجهة الحصار )

http://www.iugaza.edu.ps/ara/researc...%20439-486.doc



أولاً: الصبر: .


لغة الحبس

اصطلاحاً : : هو حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش .

حقيقة الصبر:

بيَّن ابن القيم حقيقة الصبر بقوله: هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمنع صاحبه من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها .
- أهمية الصبر وفوائده في الإسلام:
للصبر في الدعوة الإسلامية أهمية عظيمة وفوائد كثيرة،سيذكر الباحث بعضاً منها وذلك على شكل نقاط:
1-أوضح الله سبحانه وتعالى للناس أنه لا بد من الابتلاء ليظهر المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والصابر من غيره.
2-الابتلاء سنة الله تعالى في عباده .
3-الابتلاء للدعاة أمر لا بد منه فلو سلم منه أحد لسلم رسل الله صلوات الله عليهم وعلى رأسهم نبينا محمد الذي أوذي في الله كثيراً .
4-الابتلاء خير للمؤمن ودليل محبة الله له .
5-عظم أجر وثواب الصابرين .
6-الصبر من الإيمان بمثابة الرأس من الجسد .
7-الصبر سبب في العزة والكرامة وانتقال الإنسان من حالة الضعف إلى حالة القيادة والرئاسة .
8-بالصبر والتقوى نُفْشل كيد الأعداء .

ثانياً: الثبات.ا
: لغة : وهي دوام الشيء

صطلاحاً : هو الاستقامة على الهدى والتمسك بالتقى وإلجام النفس وقسرها على سلوك طريق الحق والخير وعدم الالتفات إلى صوارف الهوى والشيطان، ونوازغ النفس والطغيان، مع سرعة الأوبة والتوبة حال ملابسة الإثم أو الركون إلى الدنيا .
أهمية الثبات : تتضح أهمية الثبات من خلال نقاط أربعة :-
‌أ-الثبات دلالة سلامة المنهج وداعية إلى الثقة.
‌ب-الثبات مرآة لشخصية المرء ومطمئن لمن حوله.
‌ج-الثبات ضريبة الطريق إلى المجد والرفعة في الدنيا والآخرة.
‌د-الثبات طريقٌ لتحقيق الأهداف .
عوامل بقاء الثبات:
1-الدعاء.
2-تدبر القرآن.
3-حسن الصلة بالله تعالى.
4-التثبيت من قِبَل الصالحين.
5-صحبة الصالحين.
6-التربية الصحيحة.
7الاطلاع على سِيَر الثابتين.
8-قراءة التاريخ والسير.
9-الثقة بنصر الله تعالى.
10-التزام شريعة الإسلام وآدابه ضمانٌ للثبات.
11-الخوف من الانتكاسة وسوء الخاتمة .
ثالثاً: الحصار: .
لغة: وهو: الجمع والحَبْس والمنع
اصطلاحاً: وهو التضييق والحبس والمنع الذي تقوم به دولة أو مجموعة دول ضد جماعة أو دولة لتحقيق أهدافٍ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو كلها والتضييق عليها للرضوخ لشروطها.

أنواع الحصار:-

1- الحصار البحري العسكري .
2- الحصار السلمي .
3- الحصار الورقي .
4- الحصار السياسي والدبلوماسي .
5- الحصار الاقتصادي .

المبحث الأول

أحاديث الحصار

الرواية الأولى من طريق الصحابي الجليل أبي هريرة:
قال الإمام البخاري: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ  .

الرواية الثانية: من طريق الصحابي الجليل أسامة بن زيد :

قال الإمام البخاري: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ - فِي حَجَّتِهِ- قَالَ: " وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا ". ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ" وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ: أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ .

ثالثاً: تفاصيل مقاطعة قريش للنبي ومن معه من بني هاشم وبني المطلب:

بدأت المقاطعة للنبي  في المحرم سنة سبع من البعثة ، وذلك بعد أن فشلت محاولة قريش لإرجاع المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، وبعد إسلام عمر بن الخطاب  وفشو الإسلام ، واستمرت ثلاث سنوات ، وكان الهدف من هذه المقاطعة هو تسليم رسول الله  لقتله ، ورفض أبو طالب عم النبي  تسليمه، وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم فصاروا في شعب أبي طالب محصورين ما عدا أبي لهب فإنه كان مع قريش على قومهم ، وكتبت قريش صحيفة بخصوص هذه المقاطعة والحصار وعلقتها في جوف الكعبة .

وكانت المقاطعة للنبي ومن معه من بني هاشم وبني المطلب شاملة لجميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية حيث كان من بنودها: ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم ، ولا يؤووهم ، ولا يخالطوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم ، أن لا يكون بينهم وبينهم شيء ، وقطعوا عليهم الأسواق فلا يتركون طعاماً يدنو من مكة ولا بيعاً إلا بادروا إليه ليقتلهم الجوع ، ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاماً ولا إداماً ولا بيعاً إلا بادروا إليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحاً ، وتضوروا جوعاً وعطشاً وعُرياً ولحقتهم مشقة عظيمة ، وقد سمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب .

ومن شدة الجوع لم يجد الصحابة ما يأكلونه إلا ورق الشجر، وبعضهم وجد قطعة جلد بعير فقوي بها ثلاثة أيام. حيث خطب عتبة بن غزوان فكان أول أمير خطب على منبر البصرة: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله  ومالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا غير أني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك قال فما بقي من الرهط السبعة إلا أمير على مصر من الأمصار. وقال سعد بن أبي وقاص: كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله وشدته فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك ومرنا عليه وصبرنا له ولقد رأيتني مع رسول الله  بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استففتها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثا .وقال ابن عباس: فحصرنا في الشعب ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة حتى إن الرجل منا ليخرج بالنفقة فما يُبَايع حتى يرجع، حتى هلك منا من هلك .
تعاطف بعض الناس وتحرك مشاعرهم الإنسانية تجاه المحاصرين:

ذكر ابن إسحاق أن هشام بن عمرو كان واصلاً لبني هاشم وكان ذا شرف في قومه حيث كان يأتي بالبعير وبنو هاشم وبنو المطلب في الشِّعب ليلاً، قد أوْقَرَهُ طعاماً حتى إذا أقبل به فَمَ الشِّعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبه، فيدخل الشِّعب عليهم، ثم يأتي به قد أوْقَرَهُ بَزَّاً فيفعل به مثل ذلك .
"
تأييد الله تعالى لنبيه محمد بالمعجزات الدالة على صدق دعوته:

حيث بعث الله عزوجل على صحيفتهم الأرضة فلحست كل شيء كان فيها وبقي فيها ما كان من شرك أو ظلم أو بغي فأطلع الله رسوله على الذي صنع بالصحيفة ، وأورد هذا القول أبو نعيم الأصبهاني، وابن سيد الناس، ومحمد بن عبدالوهاب .

انتهاء المقاطعة وخروج المحاصَرين:

قال عروة بن الزبير: " فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ورجال من قصي ورجال ممن سواهم وذكروا الذي وقعوا فيه من القطيعة فأجمعوا أمرهم في ليلتهم على نقض ما تعاقدوا عليه والبراءة منه " .
ازدياد عدد المسلمين في هذه الفترة:

قال اليعقوبي: بعد أن أراهم الله تعالى معجزة الأرضة التي أكلت كل ما في الصحيفة من قطيعة وظلم وجور ولم يبق إلا ذكر الله: وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو المطلب فلم يرجعوا إليه .

المبحث الثاني

الدروس والعبر المستفادة من المقاطعة

1-الحصار طَبْع المجرمين وقُطَّاع الطريق قديماً وحديثاً .
2-محاولة خنق الدعوة بالحصار الشامل .
3-أسلوب المقاطعة من أغرب الأساليب وأخطرها في مواجهة الدعوة .
4-أغيظ ما يغيظ الكفار انتشار الإسلام بين الناس.
5-ملة واحدة وأسلوب الحصار من الأساليب التي يستخدمها العدو دائما فليستعد المسلمون دائما لمواجهة ذلك .
6-تكاتف الأعداء ضد المسلمين ومن ساعدهم .
7-الخصم لا يكتفي باضطهاد المسلم وتعذيبه وإنما يتجاوز أصحاب الحق إلى كل من يتعاطف معهم من الجماهير .
8-تحرك العدو لمنع منافذ النشاط الاقتصادي كافة ومنع سبل المساعدة عن المحاصرين من أجل الإضرار بهم وحملهم على التخلي عن حماية الرسول  وبالتالي حملهم على الرضوخ لمطالب المحاصِرين.
9-تعليق الصحيفة في الكعبة لتأخذ طابع القداسة وعدم التجرؤ على نقضها .
10-قيام الحجج الدامغة والبراهين الساطعة والمعجزات الخارقة لا يؤثر في أصحاب الهوى وعبدة المصالح والمنافع .
11-الرسول  يربي المسلمين على الثبات والصمود في الحصار .
12-استثارة العواطف الإنسانية لدى الناس وكسبهم للوقوف مع المسلمين.
13-الاستفادة من تناقضات القوى المضادة بشكل مباشر أو غير مباشر واستثمارها لتوفير بعض الحماية للدعوة وقيادتها وأن يخفف من حدة التحديات لها .
14-المرونة في التعامل مع معطيات الواقع .
15-أهمية الإعلام في الدعوة .
16-نظافة الشخصيات المسلمة لها دور في وقوف الناس معها وتحمل المشقات .
17-الحصار والعذاب دليل على نظافة المنتسبين للإسلام وأنهم على الطريق الحق .
18-وحدة الكلمة والتضحية لها دور كبير في إنهاء الحصار .
19-عظمة الصف المسلم والتزامه بأوامر القيادة .
20-الحذر الدائم أثناء الحصار وحماية القيادة .
21-تحرك المحاصَرِين والمخاطرة بأنفسهم من أجل توفير لقمة العيش لهم ولمن يعولون .
22-رغم شدة الحصار والمقاطعة والظلم إلا أن النبي  واصل الدعوة إلى الإسلام .
23-التطبيق العملي للصبر من خلال الحصار وأثره على المحيطين بهم .
24-الصبر والثبات على الحق هو خير زاد لإبراز صدق الدعوة أمام الجماهير.
25-الحصار زادَ المسلمين قوة وثباتاً، وكثَّر الأنصار وزاد عدد المسلمين .
26-استخدام القوة في كسر الحصار .
27-الحذر كل الحذر من المنافقين، وأصحاب المصالح الذاتية .
28-عدم فاعلية الحصار وعدم تحقيق أهدافه .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أحمد العزب محمد
أحمد العزب محمد
صفد مميز
صفد مميز

ذكر
عدد الرسائل : 857
العمر : 61
العمل : محامى
الهوايه المفضله : سياسية
السٌّمعَة : 0
نقاط : 29242
تاريخ التسجيل : 10/05/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إلى الأحبة فى غزة المحاصرة Empty رد: إلى الأحبة فى غزة المحاصرة

مُساهمة من طرف أحمد العزب محمد الخميس ديسمبر 25, 2008 5:32 pm

وهنا يقف الحليم حيران، ويتساءل عقلاء الرجال فيما بينهم‏:‏ ما هي الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى هذه الغاية القصوى، والحد المعجز من الثبات‏؟‏ كيف صبروا على هذه الاضطهادات التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف لها الأفئدة‏؟‏ ونظرًا إلى هذا الذي يتخالج القلوب نرى أن نشير إلى بعض هذه العوامل والأسباب إشارة عابرة بسيطة‏:‏



1 ـ الإيمــان بالله‏:‏

إن السبب الرئيسي في ذلك أولًا وبالذات هو الإيمان بالله وحده ومعرفته حق المعرفة، فالإيمان الجازم إذا خالطت بشاشته القلوب يزن الجبال ولا يطيش، وإن صاحب هذا الإيمان المحكم وهذا اليقين الجازم يرى متاعب الدنيا مهما كثرت وكبرت وتفاقمت واشتدت ـ يراها في جنب إيمانه ـ طحالب عائمة فوق سَيْل جارف جاء ليكسر السدود المنيعة والقلاع الحصينة، فلا يبالى بشيء من تلك المتاعب أمام ما يجده من حلاوة إيمانه، وطراوة إذعانه، وبشاشة يقينه ‏{‏ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏17‏]‏‏.‏

ويتفرع من هذا السبب الوحيد أسباب أخرى تقوى هذا الثبات والمصابرة وهي‏:‏

2 ـ قيادة تهوى إليها الأفئدة‏:‏

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو القائد الأعلى للأمة الإسلامية، بل وللبشرية جمعاء ـ يتمتع من جمال الخلق، وكمال النفس، ومكارم الأخلاق، والشيم النبيلة، والشمائل الكريمة، بما تتجاذب إليه القلوب وتتفإني دونه النفوس، وكانت أنصبته من الكمال الذي يحبَّبُ لم يرزق بمثلها بشر‏.‏ وكان على أعلى قمة من الشرف والنبل والخير والفضل‏.‏ وكان من العفة والأمانة والصدق، ومن جميع سبل الخير على ما لم يتمار ولم يشك فيه أعداؤه فضلًا عن محبيه ورفقائه، لا تصدر منه كلمة إلا ويستيقنون صدقها‏.‏

اجتمع ثلاثة نفر من قريش، وكان قد استمع كل واحد منهم إلى القرآن سرًا عن صاحبيه، ثم انكشف سرهم، فسأل أحدهم أبا جهل ـ وكان من أولئك الثلاثة‏:‏ ما رأيك فيما سمعت من محمد‏؟‏ فقال‏:‏ ماذا سمعت‏؟‏ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كَفَرَسىْ رِهَان قالوا‏:‏ لنا نبى يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه‏؟‏ والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه‏.‏

وكان أبو جهل يقول‏:‏ يا محمد، إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله‏:‏‏{‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏33‏]‏‏.‏

وغمزه صلى الله عليه وسلم الكفار يومًا ثلاث مرات فقال في الثالثة‏:‏ ‏(‏يا معشر قريش، جئتكم بالذبح‏)‏، فأخذتهم تلك الكلمة حتى إن أشدهم عداوة يرفؤه بأحسن ما يجد عنده‏.‏

ولما ألقوا عليه سَلاَ جَزُورٍ وهو ساجد، دعا عليهم، فذهب عنهم الضحك، وساورهم الهم والقلق، وأيقنوا أنهم هالكون‏.‏

ودعا على عتبة بن أبي لهب فلم يزل على يقين من لقاء ما دعا به عليه حتى إنه حين رأي الأسد قال‏:‏ قتلنى والله ـ محمد ـ وهو بمكة‏.‏

وكان أبي بن خلف يتوعده بالقتل‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل أنا أقتلك إن شاء الله‏)‏، فلما طعن أبيًا في عنقه يوم أحد ـ وكان خدشًا غير كبير ـ كان أبي يقول‏:‏ إنه قد كان قال لى بمكة‏:‏ أنا أقتلك، فو الله لو بصق على لقتلني ـ وسيأتي‏.‏

وقال سعد بن معاذ ـ وهو بمكة ـ لأمية بن خلف‏:‏ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إنهم ـ أي المسلمين ـ قاتلوك‏)‏ ففزع فزعًا شديدًا، وعهد ألا يخرج عن مكة، ولما ألجأه أبو جهل للخروج يوم بدر اشترى أجود بعير بمكة ليمكنه من الفرار، وقالت له امرأته‏:‏ يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي‏؟‏ قال‏:‏ لا والله ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا‏.‏

هكذا كان حال أعدائه صلى الله عليه وسلم،أما أصحابه ورفقاؤه فقد حل منهم محل الروح والنفس، وشغل منهم مكان القلب والعين، فكان الحب الصادق يندفع إليه اندفاع الماء إلى الحُدور، وكانت النفوس تنجذب إليه انجذاب الحديد إلى المغناطيس‏.‏

فصورته هيولى كل جسم ** ومغناطيس أفئـدة الرجــال

وكان من أثر هذا الحب والتفاني أنهم كانوا ليرضون أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر أو يشاك شوكة‏.‏

وطيء أبو بكر بن أبي قحافة يومًا بمكة، وضرب ضربًا شديدًا، دنا منه عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشكون في موته، فتكلم آخر النهار فقال‏:‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير‏:‏ انظرى أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول‏:‏ ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقالت‏:‏ والله لا علم لى بصاحبك، فقال‏:‏ اذهبى إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت‏:‏ إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، قالت‏:‏ ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك ذهبت، قالت‏:‏ نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح، وقالت‏:‏ والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال‏:‏ فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالت‏:‏ هذه أمك تسمع، قال‏:‏ فلا شيء علىك منها، قالت‏:‏ سالم صالح، فقال‏:‏ أين هو‏؟‏ قالت‏:‏ في دار ابن الأرقم، قال‏:‏ فإن لله على ألا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْل، وسكن الناس خرجتا به، يتكئ عليهما، حتى أدخلتـاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وسننقل نوادر الحب والتفإني في مواضع شتى من هذا الكتاب، ولا سيما ما وقع في يوم أحد، وما وقع من خبيب وأمثاله‏.‏

3 ـ الشعور بالمسئولية‏:‏

فكان الصحابة يشعرون شعورًا تامًا ما على كواهل البشر من المسئولية الفخمة الضخمة، وأن هذه المسئولية لا يمكن عنها الحياد والانحراف بحال، فالعواقب التي تترتب على الفرار عن تحملها أشد وخامة وأكبر ضررًا عما هم فيه من الاضطهاد، وأن الخسارة التي تلحقهم ـ وتلحق البشرية جمعاء ـ بعد هذا الفرار لا يقاس بحال على المتاعب التي كانوا يواجهونها نتيجة هذا التحمل‏.‏

4 ـ الإيمـان بالآخـرة‏:‏

وهو مما كان يقوى هذا الشعور ـ الشعور بالمسئولية ـ فقد كانوا على يقين جازم بأنهم يقومون لرب العالمين، ويحاسبون على أعمالهم دقها وجلها، صغيرها وكبيرها، فإما إلى النعيم المقيم، وإما إلى عذاب خالد في سواء الجحيم، فكانوا يقضون حياتهم بين الخوف والرجاء، يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه، وكانوا ‏{‏يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏60‏]‏، وكانوا يعرفون أن الدنيا بعذابها ونعيمها لا تساوى جناح بعوضة في جنب الآخرة، وكانت هذه المعرفة القوية تهون لهم متاعب الدنيا ومشاقها ومرارتها؛ حتى لم يكونوا يكترثون لها ويلقون إليها بالًا‏.‏

5 ـ القـــرآن‏:‏

وفي هذه الفترات العصيبة الرهيبة الحالكة كانت تنزل السور والآيات تقيم الحجج والبراهين على صدق مبادئ الإسلام ـ التي كانت الدعوة تدور حولها ـ بأساليب منيعة خلابة، وترشد المسلمين إلى أسس قدر الله أن يتكون عليها أعظم وأروع مجتمع بشرى في العالم ـ وهو المجتمع الإسلامى ـ وتثير مشاعر المسلمين ونوازعهم على الصبر والتجلد، تضرب لذلك الأمثال، وتبين لهم ما فيه من الحكم ‏{‏أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏214 ‏]‏ ‏{‏الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏1‏:‏ 3‏]‏‏.‏

كما كانت تلك الآيات ترد على إيرادات الكفار والمعاندين ردًا مفحمًا، ولا تبقى لهم حيلة، ثم تحذرهم مرة عن عواقب وَخِيمَة ـ إن أصروا على غيهم وعنادهم ـ في جلاء ووضوح، مستدلة بأيام الله، والشواهد التاريخية التي تدل على سنة الله في أوليائه وأعدائه، وتلطفهم مرة، وتؤدى حق التفهيم والإرشاد والتوجيه حتى ينصرفوا عما هم فيه من الضلال المبين‏.‏

وكان القرآن يسير بالمسلمين في عالم آخر، ويبصرهم من مشاهد الكون وجمال الربوبية، وكمال الألوهية، وآثار الرحمة والرأفة، وتجليات الرضوان ما يحنون إليه حنينًا لا يقوم له أي عقبة‏.‏

وكانت في طى هذه الآيات خطابات للمسلمين، فيها ‏{‏يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ‏}‏ ‏[‏ التوبة‏:‏21 ‏]‏، وتصور لهم صورة أعدائهم من الكفرة الطغاة الظالمين يحاكمون ويصادرون، ثم ‏{‏يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏48‏]‏‏.‏

6 ـ البشارات بالنجاح‏:‏

ومع هذا كله كان المسلمون يعرفون منذ أول يوم لاقوا فيه الشدة والاضطهاد ـ بل ومن قبله ـ أن الدخول في الإسلام ليس معناه جر المصائب والحتوف، بل إن الدعوة الإسلامية تهدف ـ منذ أول يومها ـ إلى القضاء على الجاهلية الجهلاء ونظامها الغاشم، وأن من نتائجها في الدنيا بسط النفوذ على الأرض، والسيطرة على الموقف السياسي في العالم لتقود الأمة الإنسانية والجمعية البشرية إلى مرضاة الله، وتخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله‏.‏

وكان القرآن ينزل بهذه البشارات ـ مرة بالصراحة وأخرى بالكناية ـ ففي تلك الفترات القاصمة التي ضيقت الأرض على المسلمين، وكادت تخنقهم وتقضى على حياتهم كانت تنزل الآيات بما جرى بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم الذين قاموا بتكذيبهم والكفر بهم، وكانت تشتمل هذه الآيات على ذكر الأحوال التي تطابق تمامًا أحوال مسلمى مكة وكفارها، ثم تذكر هذه الآيات بما تمخضت عنه تلك الأحوال من إهلاك الكفرة والظالمين، وإيراث عباد الله الصالحين الأرض والديار‏.‏ فكانت في هذه القصص إشارات واضحة إلى فشل أهل مكة في المستقبل، ونجاح المسلمين مع نجاح الدعوة الإسلامية‏.‏

وفي هذه الفترات نزلت آيات تصرح ببشارة غلبة المؤمنين، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏171‏:‏ 177‏]‏،وقال‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏45‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏11]‏‏.‏ ونزلت في الذين هاجروا إلى الحبشة‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏41‏]‏‏.‏ وسألوه عن قصة يوسف فأنزل الله في طيها‏:‏ ‏{‏لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏7‏]‏‏.‏ أي فأهل مكة السائلون يلاقون ما لاقى إخوانه من الفشل، ويستسلمون كاستسلامهم، وقال وهو يذكر الرسل‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏13، 14‏]‏‏.‏وحينما كانت الحرب مشتعلة بين الفرس والرومان، وكان الكفار يحبون غلبة الفرس لكونهم مشركين، والمسلمون يحبون غلبة الرومان لكونهم مؤمنين بالله والرسل والوحى والكتب واليوم الآخر، وكانت الفرس يغلبون ويتقدمون، أنزل الله بشارة بغلبة الروم في بضع سنين، ولكنه لم يقتصر على هذه البشارة الواحدة، بل صرح ببشارة أخرى، وهي نصر الله للمؤمنين حيث قال‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّه‏}‏ ‏[‏الروم‏: ‏4، 5‏]‏‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يقـوم بمـثل هذه البشارات بين آونـة وأخـرى، فكـان إذا وافي الموسم، وقـام بـين الناس في عُكاظ، ومَجَنَّة، وذى المَجَاز لتبليغ الرسالة، لـم يكـن يبشرهم بالجـنة فحسب، بل يقول لهم بكل صراحة‏:‏ ‏(‏يأيها الناس، قولوا‏:‏ لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكًا في الجنة‏)‏‏.‏

وقد أسلفنا ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة حين أراد مساومته على رغائب الدنيا، وما فهمه ورجاه عتبة من ظهور أمره عليه الصلاة والسلام‏.‏

وكذلك ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم آخر وفد جاء إلى أبي طالب، فقد صرح لهم أنه يطلب منهم كلمة واحدة يعطونها تدين لهم بها العرب، ويملكون العجم‏.‏

وقال خباب بن الأرت‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت‏:‏ ألا تدعو الله، فقعد، وهو محمر وجهه، فقال‏:‏ ‏(‏لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ـ زاد بيان الراوى ـ والذئب على غنمه‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ولكنكم تستعجلون‏)‏

ولم تكن هذه البشارات مخفية مستورة، بل كانت فاشية مكشوفة، يعلمها الكفرة، كما كان يعلمها المسلمون، حتى كان الأسود بن المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تغامزوا بهم، وقالوا‏:‏ قد جاءكم ملوك الأرض الذين يرثون كسرى وقيصر، ثم يصفرون ويصفقون‏.‏

وأمام هذه البشارات بالمستقبل المجيد المستنير في الدنيا، مع ما فيه من الرجاء الصالح الكبير البالغ إلى النهاية في الفوز بالجنة كان الصحابة يرون أن الاضطهادات التي تتوالى عليهم من كل جانب، والمصائب التي تحيط بهم من كل الأرجاء ليست إلا‏:‏ ‏(‏سحابة صيف عن قليل تقشع‏)‏‏.‏
هذا ولم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم يغذى أرواحهم برغائب الإيمان، ويزكى نفوسهم بتعليم الحكمة والقرآن، ويربيهم تربية دقيقة عميقة، يحدو بنفوسهم إلى منازل سمو الروح، ونقاء القلب، ونظافة الخلق، والتحرر من سلطان الماديات، والمقاومة للشهوات، والنزوع إلى رب الأرض والسموات، ويذكى جمرة قلوبهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويأخذهم بالصبر على الأذى، والصفح الجميل، وقهر النفس‏.‏ فازدادوا رسوخًا في الدين،وعزوفا عن الشهوات، وتفانيًا في سبيل المرضاة، وحنينًا إلى الجنة، وحرصًا على العلم، وفقهًا في الدين، ومحاسبة للنفس، وقهرًا للنزعات وغلبة على العواطف، وتسيطرًا على الثائرات والهائجات، وتقيدًا بالصبر والهدوء والوقار‏.
أحمد العزب محمد
أحمد العزب محمد
صفد مميز
صفد مميز

ذكر
عدد الرسائل : 857
العمر : 61
العمل : محامى
الهوايه المفضله : سياسية
السٌّمعَة : 0
نقاط : 29242
تاريخ التسجيل : 10/05/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

إلى الأحبة فى غزة المحاصرة Empty رد: إلى الأحبة فى غزة المحاصرة

مُساهمة من طرف أحمد العزب محمد الخميس ديسمبر 25, 2008 5:37 pm




الهجرة.. دروسٌ في الصبر والثبات


[12:19مكة المكرمة ] [10/01/2008]
إلى الأحبة فى غزة المحاصرة Pic1900








كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في منعةٍ من قريش بعمه أبي طالب، بينما تعرَّض المسلمون الأُوَل للاضطهاد والتعذيب على يد أئمة الكفر من قريش، وتحمَّل الصحابة الكثير في سبيل عقيدتهم، وتعرَّضوا للفتنة، ورغم كل ألوان الاضطهاد وصنوف التعذيب ظلوا في ثباتٍ على عقيدتهم ودينهم؛ فمنهم مَن قضى نحبه تحت التعذيب، ومنهم من نجى من الموت حتى هاجر إلى الله ورسوله.

فقد كان الاضطهاد والتعذيب الذي تعرَّض له الصحابة مُقدِّمةً للهجرة- الهجرة من الوطن- وما أصعب ذلك على النفس إلى وطنٍ غريبٍ لا يدري ماذا سيكون!! لكنها هجرةٌ فرارًا بالدين والعقيدة، هجرةٌ إلى الله، فما كان يُفكِّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الهجرة إلا بعد أن ضاقت مكة وأهلها بهم، وهانت الفئة المستضعفة في مكة.

وهنا نعرض لبعضٍ من صور الاضطهاد والتعذيب والتنكيل الذي تعرَّض له بعض الصحابة، وكانت دافعةً إلى الهجرة.

يروي ابن إسحاق من طريق سعيد بن جبير، قال: قلت لعبد الله بن عباس: أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟. قال: نعم، والله إنهم كانوا ليضربون أحدهم ويجوِّعونه ويعطِّشونه حتى ما يقدر أن يستويَ جالسًا من شدة الضُرِّ الذي به، حتى يعطيهم ما سألوا من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى آلهة من دون الله، فيقول: "نعم"؛ افتداءً منهم بما يبلغون من جهدهم" (البخاري 2/71).

وروى ابن ماجه وابن حبَّان عن ابن مسعود قال: "أول مَن أظهر إسلامه سبعةٌ: رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمَّار، وأمُّه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمنعه اللهُ بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراعَ الحديد وأوقفوهم في الشمس".

فقد كان المشركون يلفون أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في جلود الإبل والبقر ويلبسونهم دروع الحديد، ثم يضعونهم على صخرةٍ ملتهبةٍ في وقت الظهيرة، ما زحزحهم ذلك عن عقيدتهم.

إنه الصبر والثبات من أجل العقيدة، إنه تجسيدٌ لقوله- تعالى- ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 142).

نماذج من الصبر والثبات
تعرَّض ضعفاء الصحابة الذين ليس لهم أهلٌ ولا عشيرةٌ يحتمون بها، تعرَّضوا لشتى أنواع التعذيب النفسي والبدني على يد صناديد الكفر من قريش؛ ليردُّوهم عن دينهم، فما استطاعوا؛ حيث خابت قريش وخسرت، فلم يفلح الملأ القرشي في ردِّ أحدٍ من الصحابة عن دينه رغم صنوف التعذيب وألوانه التي مُورست على المستضعفين من الصحابة، وهنا نذكر نماذج وصورًا ومن الصبر والثبات الذي تحلَّى به الصحابة الأجلاء.

آل ياسر.. نموذجٌ للتضحية والفِداء
عمار بن ياسر.. إنه صحابيٌّ جليلٌ كان مولى لبني مخزوم، فكانوا يُخرجونه وأهله إلى الأبطح في حرِّ الرمضاء، فيعذبونهم.

روى البيهقي والحاكم من حديث جابر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرَّ بعمار وأهله وهم يُعذَّبون، فقال: "أبشروا آل عمار وآل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة" (البخاري 2/71- المستدرك 3/438 حديث 5666/1264 قال الحافظ صحيح على شرط مسلم).

مات ياسر تحت التعذيب، وطعن أبو جهل سمية أم عمار في قبلها بحربة، فكانت أول شهيدة في الإسلام.. رحم الله ياسر، ورحم الله أم ياسر؛ فإنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

وأما عمَّار فظلوا يعذبونه حتى أرغموه على سبِّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاء إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- باكيًا معتذرًا فأنزل الله- تبارك وتعالى- ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ (ابن هشام 1/319).

بلال بن رباح
كان بلال مولى لبني جُمَح، فكان أمية بن خلف- وهو صنديد من صناديد الكفر وإمام من أئمتهم- يخرجه إذا حميت الظهيرة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفرَ بمحمد وتعبد اللات والعزى. فيقول- وهو في ذلك-: "أحدٌ أحد" (البخاري 2/62).

وكان أمية بن خلف يضع في عنق بلال حبلاً، ثم يأمر الصبيان فيجرونه في "حواري" وأزقة مكة، ثم يُجلسه في بطحاء مكة وقت الظهيرة، فيأمر بصخرة فتوضع على صدره، حتى مرَّ أبو بكر- رضي الله عنه- فرأى ذلك، فرقَّ له وأشفق عليه، فاشتراه بغلام أسود، وقيل بسبع أواقٍ من الفضة (ابن هشام 1/317 بتصرف).

لقد صبر بلال، وضرب أروع المُثَل في الصبر والثبات على العقيدة، فهانت عليه نفسه في سبيل عقيدته.

هلاَّ صبرنا على تنفيذ أوامر الله وعشناها وطبقَّناها في واقعنا حتى نفوز الفوز العظيم وننجو من الخسران المبين!!.

خبَّاب بن الأرت
أما خبَّاب فكان مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية، وقد لقي ألوانًا من التعذيب والتنكيل، فلمَّا فاض به ذهب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشكو إليه ما يلاقيه من أهل الكفر من تعذيب.

روى البخاري من حديث خباب بن الأرت قال: "أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّدٌ بردةً وهو في ظل الكعبة- ولقد لقينا من المشركين شدةً- فقلتُ: يا رسول الله.. ألا تدعو الله لنا؟!، فقعد وهو مُحمَرٌّ وجهُه، فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط من الحديد ما دون عظامه من لحمٍ أو عصبٍ ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمِّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه" (البخاري 8/284 حديث 4733-4734).

وكان خبَّاب من أمهر الصُنَّاع في مكة، يصنع السيوف للعاص بن وائل، وكان قد صنع سيوفًا له فذهب يتقاضى أجره فرفض العاص بن وائل أن يعطيَه أجره إلا أن يكفر بمحمد؛ حيث قال له: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، قلتُ: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثم يحييك. قال: فإذا أماتني الله ثم بعثني ولي مالٌ وولدٌ، فأنزل الله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)﴾ (مريم) (البخاري 8/284حديث 4733).

وكان العاص بن وائل يسخر من صهيب ويقول: أليس يزعم محمد صاحبُكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلي من ذهب وفضة؟!، فقال خبَّاب: بلى. فقال العاص بن وائل: فأمهلني يا خبَّاب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقَّك. فجاء الوحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)﴾ (مريم).

جاء الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما جاء، فطوبى للغرباء
طوبى للغرباء، طوبى لأولئك القابضين على دينهم في زمن غربة الإسلام بين أهله وفي وطنه، وشعائر الإسلام تُحارَب في موطن الإسلام وبين أهله، طوبى لأولئك الصابرين على فتن الحاضر وفتن المستقبل، الصابرين في مواجهة الظلم والطغيان، الصابرين في مواجهة ظلم السلطان وظلم السجان، الصابرين خلف الأسوار بلا تهم، القابعين في زنازين الظلم والطغيان، لا لذنبٍ اقترفوه إلا أنهم قالوا "ربنا الله" ثم استقاموا؛ ففي المحن تظهر معادن الرجال، وتتجلَّى صور الإيمان، فإن كان ليلُ الظلم طويلاً فإن نور الصبح لا بد آتٍ قريبٌ.

فصبرًا صبرًا؛ فما أروع الصبر والثبات في سبيل هذه القيم النبيلة لهذه الأمة العظيمة!! ولنتذكر دائمًا وأبدًا قوله- تعالى- ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214).

نعم.. ألا إن نصر الله قريب، ألا إن فرجه قريبٌ، فإن كانت الأمم السابقة وأهلها ضربوا لنا الأمثال في الصبر والثبات على الدين والعقيدة، فحريٌّ بهذه الأمة العظيمة أن يكون فيها مثلُ هؤلاء، وأكثر في الصبر والثبات على المبدأ، وهي الأمة الشهيدة على كل الأمم ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 143).
أحمد العزب محمد
أحمد العزب محمد
صفد مميز
صفد مميز

ذكر
عدد الرسائل : 857
العمر : 61
العمل : محامى
الهوايه المفضله : سياسية
السٌّمعَة : 0
نقاط : 29242
تاريخ التسجيل : 10/05/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى